قراءة في استشارة أ. الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح حول المادة 93 من الدستور! (3/3)
تانيد ميديا : بعض المآخذ على الاستشارة القانونية.
من البديهي جدا أن تثير استشارة بهذا الحجم، وهذه الأهمية، وحول موضوع حساس يتعلق بالوضع القانوني والقضائي لرئيس الجمهورية، آراء وملاحظات الموريتانيين وغيرهم؛ خاصة إذا كان المستشار قامة علمية سامقة كالأستاذ الدكتور والمحامي محمد محمود ولد محمد صالح. أما نحن فسوف نقتصر ونختزل ملاحظاتنا في نقاط وجيزة حول الأهم؛ إحقاقا للحق، واقتصادا للوقت.
إن الاستشارة القانونية التي هي إعطاء رأي قانوني من طرف رجل قانون مختص، انطلاقا من النصوص القانونية المعمول بها، وبناء على طلب شخص يرغب في الوقوف على وضع قانوني معين، تتطلب توفر جملة من المميزات والشروط من أهمها:
1. أن يكون المستشار مختصا في موضوع الاستشارة.
2. أن تكون الاستشارة خلاصة دراسة وتحليل موضوعيين ومتأنيين للقواعد القانونية المعمول بها؛ إذ الاستشارة هي بيان حكم القانون في الواقعة المحددة وفق القواعد القانونية التي تنظمها!
3. أن تقدم الاستشارة حلا قانونيا واضحا وصريحا في الموضوع. فلا تجامل ولا تداهن، ولا تُدخل طالبها في متاهات ومطبات غير قانونية ووخيمة العواقب!
4. أن يلتزم المستشار الحياد، والصراحة، والجد في البحث والتحليل، ويبتعد كل البعد عن المشاعر والعواطف، ويتوخى الإفادة.
وإذا حكَّمنا هذه القواعد فسوف نرى أن هذه الاستشارة تتسم بما يلي:
– عدم اختصاص مُعِدِّها وقدوته، صديقه وزميله الذي استرشد بأقواله في الموضوع الذي استشير فيه. ولا ينقص هذا القول بحال من الأحوال من فضل ومكانة الأستاذ الدكتور والمحامي العلمية التي سارت بها الركبان؛ غير أن مكانته العلمية، والنزاهة الفكرية كانتا تفرضان عليه أن يستنكف عن تقديم استشارة قانونية في غير مجال اختصاصه، وأن لا يقلد غيره فيما اجتهد هو فيه! فذلك أقرب للتقوى.
– أنها ليست “استشارة قانونية” بل رأي شخصي خاص، واجتهاد فيما لا يجوز فيه الاجتهاد. ذلك أن كل رأي أو حل يعطى دون استناد إلى النصوص القانونية المعمول بها، ودون أن يكون زبدة دراسة وتحليل موضوعيين متأنيين لتلك القواعد، إنما هو رأي شخصي، ولا يدخل بصفة من الصفات ضمن قواعد الاستشارة القانونية. وبديهي أن ما ذهبت إليه هذه الاستشارة من أحكام حول “الوضع القانوني والقضائي لرئيس الجمهورية” مخالف تماما لأحكام الدستور الموريتاني. وأن الشعب الموريتاني قد شرَّع في دستوره بصورة صريحة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار قواعد قانونية نص فيها وحدد “الوضع القانوني والقضائي لرئيس الجمهورية”. وما يزال هذا النص الدستوري قائما لم يلغ ولم يُعَدَّلْ. وكان من واجب الاستشارة القانونية التقيد التام بنص دستور البلد الذي طلبها! وبإخلالها بذلك الواجب تكون فضولا أو مجرد رأي شخصي.
– أن “الاستنتاج بمفهوم المخالفة” (le raisonnement a contrario) الذي توصلت إليه الاستشارة كان في غير محله. فالقول “بمفهوم المخالفة” لا يجوز في ظل وجود نص صريح. وإذا افترضنا جوازه فلا بد أن يكون النص قد منع عملا قانونيا معينا وسكت في شأن عمل آخر. فيمكن عندها انطلاقا من قراءة معكوسة للنص الوارد استنتاج قاعدة تحدد الحكم الغائب! ونص المادة 93 من الدستور الموريتاني نص كامل وواف لم يسكت عن شيء!
– وحتى إذا نظرنا إلى هذه الاستشارة من باب مبدأ المصالح المرسلة: جلب مصلحة أو دفع مفسدة. فلن نجد لها صلة به للاعتبارات التالية:
أ. أنها ألغت مناسبا معتبرا (مصلحة معتبرة) اعتبره المشرع وشرع أحكام المادة 93 من الدستور لتحقيقه.
ب. أنها شرَّعت بفقه وتشريع أجنبيين مناسبا ملغى (مصلحة ملغاة) ألغاه المشرع ولم يعتد به بنص المادة 93 من الدستور.
ج. أضف إلى ذلك عدم دخولها أصلا في هذا الباب لكونه لا يدخل فيه حصرا إلا المناسب المرسل (المصالح المرسلة) وهو معنى لم يقم الدليل الشرعي المعين على اعتباره أو إلغائه، وسُكت عنه.
– ثم إن من مميزات الاستشارة القانونية الأساسية مراعاة الموضوعية والصدق والصراحة، والتجرد والابتعاد عن العواطف والميول الذاتية، وتغليب المصلحة الشخصية. وهي أمور قد لا تتوفر كلها في هذه الاستشارة؛ لا بسبب ما ذهبت إليه من مخالفة لدستور وقوانين البلاد، ومن تقليد ونقل حرفي لقوانين أجنبية فحسب؛ بل بسبب اعتمادها أيضا على قول خصم سياسي وعدو جاهر بالعداوة هو الأستاذ لو غورمو الذي أعلن يومها على أثير “بي بي سي” أنه وحزبه يعملون على تصفية الحسابات مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز (هدف الاستشارة) وما جلبت للأستاذين الجليلين من منافع حين بوأتهما تصدر لفيف محامي الدولة، والتربع على عرش استشارة وزارة العدل صاحبة مشروع فساد العشرية! ناهيك عما سببت من بغي وفساد في الأرض!
– ومما يزيد أمر هذه الاستشارة غرابةً نشرها الواسع في وسائل الاعلام، واستثمارها، والعمل بها كعقيدة قانونية لوزارة العدل ولفيف محامي الدولة، أسست عليها ترسانة المتابعة التي تعرض لها رئيس الجمهورية السابق محمد ولد عبد العزيز. وذلك دون معرفة الجهة التي طلبتها، والموضوع الذي حددته تلك الجهة وطلبت حوله استشارة من المستشار، والمعلومات التي زودته بها حول موضوع الاستشارة! وكلها أمور إلزامية في عملية تقديم الاستشارة القانونية. والأدهى من ذلك وأمر كون هذه الاستشارة المخالفة لصريح نص الدستور الموريتاني، قد عمل بأحكامها فور صدورها دون أن يجري حولها استفتاء شعبي، أو تعرض على مصادقة الهيئة التشريعية في البلاد!